سفارش تبلیغ
صبا ویژن
AGHLY
آیا آزاده‏اى نیست که این خرده طعام مانده در کام دنیا را بیفکند و براى آنان که در خورش هستند نهد ؟ . جانهاى شما را بهایى نیست جز بهشت جاودان پس مفروشیدش جز بدان . [نهج البلاغه]

إخوان الصفا وآراؤهم فی التربیة

لقد أولی العلماء المسلمون التربیة اهتماماً کبیراً بدافع من دینهم واتّباعهم التعالیم الإسلامیة، إن حصیلة أفکارهم الحکیمة تنفع الباحثین وطالبی معرفة «التربیة الاسلامیة» فی أمرین اثنین: الأول هو تقویم مدی الجهود التحقیقیة التی بذلتها الأجیال السابقة تقویماً مبنیاً علی نظرة واقعیة، ومن ثم تجنب التعلق بالظنون العقیمة. والثانی هو أنهم، تحت ضوء معرفتهم بعمق نظرات الفلاسفة المبدعین وبصیرتهم، یزدادون شوقاً فی التحرک والتفکر. ثمة بحث تحقیقی تحت عنوان «العلماء المسلمون وآراؤهم التربویة » یجری علی ید الفریق التربوی فی مکتب التعاون لدراسة امکان تطبیق آراء المتخصصین فی التربیة والتعلیم بالاضافة الی الفائدتین المذکورتین، وهذه المقالة تلخیص لبحث فی اخوان الصفا.
اخوان الصفا اسم جماعة من علماء القرن الرابع الهجری کانت تری أنه بنشر علَم العلم والمعرفة وبصب زیت الحکمة فی مصباح الدین، یشتعل مشعل الحضارة الاسلامیة ویزداد اشعاعاً. لذلک عنوا عنایة فائقة بتهذیب المعارف الانسانیة وتنقیحها وتقریبها. وقد أنشأ الإخوان لأهدافهم الإصلاحیة منظمات سریة، وکتبوا ما یشبه دائرة للمعارف بعنوان «رسائل إخوان الصفا» اقتبسوا مواده من مصادر مختلفة، وتتألف من 52 رسالة نشرت فی حوالی سنة 370 هـ. وظهرت لها خلاصة تحت عنوان «رسالة الجامعة».
یغشی حیاة إخوان الصفا بعض الغموض بسبب أسلوب عملهم الخفی، حتی أن أسماء أصحاب الرسائل لیست معروفة بصفة قاطعة. بالطبع هناک أدباء یحتمل أن یکونوا من أعضاء هذه الجماعة أو حتی من مؤلفی الرسائل، غیر أن بعض هؤلاء لیست لهم ملامح واضحة.
بالنظر لهذا الغموض التاریخی نسبوا إلی القرامطة وهم أصلاً من الإسماعیلین، وقال بعض آخر إنهم من أئمة النصیریة1. وقال بعض الباحثین إنهم من المعتزلة، وأنکر آخرون أن یکونوا من المعتزلة. وبالرجوع الی الرسائل یتبین سبب هذا التضارب فی الأقوال. إن فی رسائل إخوان الصفا من التنوع والتشتت فی الآراء ما یجعل من الصعب جداً أن ننسبهم الی مدرسة فلسفیة بعینها أو مذهب دینی بذاته .
لاشک فی أن لهذا التنوع والتشتت أسباباً، منها تنوع مصادر عقائدهم غیر الاسلامیة، وذلک لأن الاخوان کانوا یستفیدون من تعالیم مختلف الأدیان والفلسفات الیونانیة ومن المصادر البهلویة 2، مدفوعین برغبتهم فی توضیح آرائهم وتسویغ فلسفتهم، ولهذا توسلوا بالانتقاء من تعالیم الفلسفات الیونانیة وغیر الیونانیة توسلاً واسعاً دون أن یقیموا وزناً لفقدان التناسق بین المصادر التی اعتمدوها. یضاف الی ذلک أن الترجمات التی استند علیها الاخوان لم تکن موثوقاً بها3.
هنالک أسباب أخری غیر التی ذکرناها لظهور التشتت عند إخوان الصفا، وهی تتطلب دراسة موسعة فی مجال آخر .
علی کل حال، یُستشف من تعالیمهم، من الناحیة الفلسفیة، أنها ناجمة عن تداعیات أفکار فلسفیة متنوعة، مثل اسم الجماعة وتقسیماتهم وتشکیلاتهم وتعالیمهم السریة، بالاضافة الی اهتمامهم الخاص بأرقام مستوحاة من أفکار فیثاغورس، واقتباسهم من العقائد الأفلاطونیة، والأفلاطونیة الجدیدة، وفلسفة المشائین، والایرانیین، والهنود، وهی واضحة وموضع توکید الباحثین. کذلک یصعب الحکم فیما یتعلق بمذهب إخوان الصفا بسبب غموض تصریحاتهم، إلا أن میولهم الشیعیة غیر قابلة للانکار، کما أن الأدلة التی یستدل بها علی عدم کونهم من الاثنی عشریة لیست کافیة 4، إذ إن سیاق تعالیمهم یذکرنا بدعوات الاسماعیلین .
أ. الدین
کان إخوان الصفا یرون أنهم من المصلحین، ولذلک فان للدین فی میادین أفکارهم أهمیة کبری، فهم یقولون إن معارفهم مستقاة من أربعة مصادر: کتب الحکماء والفلاسفة، کتب الانبیاء، کتاب الطبیعة، وجواهر النفوس. وکتب الأنبیاء تحظی لدیهم بالأهمیة الکبری 5.
یصل الانسان فی رشده إلی مقام تلقّی الوحی. والوحی هو الإخبار عن أمور تغیب عن الحواس، وهو حالة تظهر فی الانسان علی غیر قصد أو تکلف. والوحی فی الأنبیاء ناجم عن صفاء نفوسهم ومجانسة أرواحهم لأرواح الملائکة، لا عن قیاسات منطقیة ولا ریاضات حکمیة6.
کان الأنبیاء یتلقون الوحی من طرق ثلاث 7:
* أثناء النوم، حینما تکون النفس قد ترکت استعمال الحواس، وقد تلقّی معظم الأنبیاء الوحی عن هذه الطریق.
* فی حال الیقظة وبسماع أصوات شخص لا یری، وتکون الأصوات المسموعة بصورة اشارات دائمیة.
* فی حالة الیقظة بسماع کلام شخص غیر مرئی.
اهداف الدین
یمکن تلخیص اهداف الدین من حیث وجهة نظر الإخوان بما یلی:
1. تعلیم العقائد الصحیحة عن الانسان والعالم .
2. بیان الکمالات الممکنة للانسان .
3. تعلیم السلوک والآداب المناسبة لایصال الانسان إلی درجات الکمال.
4. خلق الحالات الروحیة لوضع الانسان علی مسیرة الهدایة.
عناصر الدین
العقائد والاخلاق والآداب الدینیة هی العناصر الاصلیة التی یتألف منها الدین. والعقیدة الأساس هی التوحید8، والسنّة الأولی التی تقوم علی ذلک هی توکید الموالاة والمودة بین أهل الشریعة 9.
یعتقد الاخوان بأن التوحید، بصفته القاعدة الأصلیة والأصیلة للدین، یمکن أن یتوصل الیه بدون الاستعانة بالوحی، وللوصول إلی ذلک طریقان 10:
* الغریزة، وهی موجودة فی الانسان، جاهلاً کان أو عالماً، وحتی فی الحیوانات .
* البرهان، وهو یختص بالفضلاء، أی الأنبیاء والحکماء والأخیار والأبرار.
یعتقد الاخوان أن ادراک أسرار الأحکام العملیة لیست بعیدة عن متناول العقول، ویرون فی النظرة الکلیة والاهتمام بالصلاح العام والآجل طریقاً لفهم الحکمة الالهیة فی الأحکام 11. ولکن الانسان، مع ذلک، محتاج الی الوحی لمعرفة اصل الأحکام .
فهم الدین
یری الإخوان أن هناک أمرین مهمین وضروریین فی فهم خطاب الأدیان :
* رمزیة الخطاب الدینی، سواء البیانات المذکورة فی میدان المعارف، أو ما هو مذکور فی المناسک والأحکام العملیة للأدیان12.
* کون الأنبیاء کانوا یخاطبون الناس علی قدر مستویاتهم الثقافیة13.
ب . الفلسفة :
الفلسفة، عند إخوان الصفا، اسمی وسائل المعرفة بعد النبوة، وهی تعنی التشبه بالله علی قدر وسع الانسان 14. إن العلوم الفلسفیة والشریعة النبویة کلتیهما من الأمور الألهیة التی لها هدف واحد، ولا تختلف إلا فی الفروع. وما النزاع القائم بین أهل الفلسفة وأهل الشرع إلاّ بسبب عدم فهم أحدهما هدف الآخر15. یشید الإخوان بالفلاسفة ویذکرونهم بعد الانبیاء ویقولون إنهم أصحاب رسالة ذات اتجاه مشترک مع رسالة الأنبیاء، ویستشهدون بآرائهم واستدلالاتهم الی جانب تعالیم الانبیاء16.
ج. الانسان
یری اخوان الصفا أن الانسان 17:
* ترکیب من جسم وروح .
* وأن نفسه روحانیة ومن أسمی النفوس.
* وأن جسمه علی أحسن صورة جسمیة.
* وأن لکل جزیء فی الانسان غایة خاصة به.
* وأن أعلی مراتب الانسان المادیة والجسمیة هی التسلط علی الآخرین .
* وأن أشرف مراتب الانسان من الناحیة النفسیة هی قبول الوحی .
* وأن مرتبة الانسان الروحیة اسمی من مرتبته الجسمیة.
إن المحور الأصلی فی نظرة الاخوان إلی الانسان هو التمییز بین الجسم والروح، وعلی أساس هذه النظرة تصبح معرفة خصائص کل منهما أمراً ضروریاً.
صفات الجسم18
جسم الانسان، مثل الأجسام الاخری، یتقبل أعراضاً کاللون والرائحة والوزن والحرکة... وهو مکوّن من الأخلاط الاربعة: الدم، والبلغم، والصفراء، والسوداء. و هذه بدورها ناشئة من الأرکان الاربعة: النار، والهواء، والماء، والتراب. وجسم الإنسان یشتمل علی طباع أربعة: الحرارة، والبرودة، والرطوبة، والیبوسة. ویرجع جسد الانسان بعد الموت وانفصاله عن الروح الی الارکان الاربعة.
صفات النفس19
النفس جوهر روحانی، حیة بالذات، عالمة بالقوة، فاعلة بالطبع، قابلة للتعلم، مؤثرة فی الاجسام، ونهایتها الرجوع إلی بارئها .
إن متع الانسان المادیة هی مال الدنیا ومتاعها، ومتعه المعنویة هی العلم والدین، ولکل من هذه المتع لذتها التی تصحبها، وهی لذات دنیویة ولذات اخرویة .
کیفیة ارتباط النفس بالجسم وحکمته
یری الإخوان أن الجسم وسیلة النفس للقیام بالفعل، ویشبهون النفس بالصانع الذی یجلس فی مصنعه إلی جانب أدوات عمله، فکل عضو من أعضاء الجسد، مثل تلک الأدوات، یؤدی عمله الخاص20.
یقولون إن حکمة ارتباط النفس بالجسد هی فی إکمال فضائل النفس، ویعتقدون أن ارتباط النفوس بالأجساد هو وحده الذی یجعل الفضائل والخیرات الکامنة بالقوة فی النفس تجد مکانها لتلبس لبوس الفعل. وقد بینوا هذا بصورة أخری فقالوا إن النفس الناطقة، بعد مخالفتها الهوی وإطاعة أوامر الله تعالی، تصبح ملکاً من الملائکة، وهذا من نتائج مرافقة النفس والجسد21.
تجرد النفس
لعل أهم خصوصیة للنفس عند إخوان الصفا هی تجردها وروحانیتها، ولذلک فهم یعرضون ادلة لاثبات تجرد النفس. وقبل عرض تلک الأدلة یجدر أن نذکر أن مباحث من هذا القبیل لها اهمیتها فی مجموعة آراء الاخوان التربویة لأنهم یؤکدون تأثیرها. من ذلک قولهم بأن الاعتقاد ببعض الآراء الفاسدة وغیر الصائبة ناجم عن عدم الاعتقاد بوجود النفس المستقلة المجردة، کما أنهم یرون أن من لا یعرف نفسه یظل محروماً من فهم الأمور الروحانیة، وتکون نهایة أمره أنه ینکر الحقائق المعنویة22.
یمکن إیجاز أدلة الإخوان علی تجرد النفس فیما یلی23:
1. سیرة الأنبیاء والأولیاء وعقیدة الحکماء.
2. إجماع أهل الأدیان واتفاقهم، وکذلک زیارة قبور الصالحین والأولیاء.
3. عدم ظهور آثار مثل الحس والحرکة بعد الموت .
4. قدرة الانسان علی القیام بافعال من دون الاستعانة بالحواس وحرکة الأعضاء، مثل التفکیر.
5. الأحلام وما یجری فیها من الحرکة وطی المسافات البعیدة.
6. الحزن والبکاء علی المیت وکون ذلک لیس علی جسمه، بل علی جوهر آخر، هو النفس التی فارقت ذویها.
بعض هذه الأدلة علی تجرد النفس تنسجم مع مطالعات علماء الانسان فی عصرنا الحاضر بشأن معرفة الانسان بوجود جوهر مفارق یسمّی النفس. ولکن صیاغة أدلتهم فیما یتعلق بعقائدهم الکلیة بخصوص البرهان والاستدلال العقلی لا تفی بالغرض ولیست قاطعة .
* بعد إثبات تجرد النفس، یتجه الإخوان الی رسم صورة دقیقة للنفس، ویعرضونها فی ثلاث صور مختلفات. تسکن جسد الانسان ثلاث قبائل: النفس الشهوانیة، والظاهر أنها هی النفس النباتیة، والنفس الحیوانیة، والنفس الناطقة، وهذه تشبه الملائکة، والنفس الحیوانیة تشبه الانسان، والنفس الشهوانیة ذات أفعال وأخلاق تشبه ما للجن، وهذه النفوس الثلاث تقع تحت سیطرة العقل وإدارته24. والعقل هو النفس التی خرجت من کونها «بالقوة» واصبحت فی حالة «الفعل»25.
وکل واحدة من هذه النفوس الناطقة والحیوانیة والنباتیة مظهر لحقیقة واحدة تتخذ اسماء متعددة بسبب الأفعال التی تقوم بها هذه الحقیقة الواحدة. ویری الإخوان أن لکل واحدة من هذه النفوس مکاناً معیناً فی الجسد. وهم یرونها بمثابة أجناس تمثل قوی النفس بأنواعها، وأفعال تلک القوی هی أشخاصها26. وللنفس خمس قوی جسمانیة وخمس قوی روحانیة. القوی الجسمانیة هی الحواس الخمس نفسها، والقوی الروحانیة هی: المتخیلة، والمفکرة، والحافظة، والناطقة، والصانعة27.
د. المعرفة
تتم معرفة الانسان بالأشیاء عن طرق ثلاثة: الحس، والعقل، والبرهان .
والمقصود بالحس هو الحواس الخمس. وهذا الضرب من المعرفة یبدأ من الطفولة، ویشترک الانسان والحیوان فیه.
الطریق الثانی هو العقل الذی یبدأ من مرحلة البلوغ .
والطریق الثالث هو البرهان، وهو یختص بفریق من العلماء یتوصلون الیه بعد دراسات ریاضیة وهندسیة ومنطقیة28.
والمعرفة البرهانیة مصداق للمعرفة العقلیة، علی وجه العموم. ولیس فی أقوال الإخوان ما یتعارض مع وجهة النظر هذه، مع فارق أن الإخوان ربما یکونون قد عرضوا البرهان بصورة مستقلة لسببین:
الأول هو أنهم یؤکدون الضرورة المنطقیة للمعرفة الحاصلة من البرهان، والثانی هو أنهم فی تعریف البرهان والعقل یقولون بوجود فارق بینهما، فالأمور المعقولة هی صور المحسّات نفسها التی تصل عن طریق الحواس إلی القوة التخیلیة، والتی تبقی صورها فی وهم الانسان حتی بعد اختفاء المحسّات عن الحواس. ولکن الذی یکون البرهان طریق معرفته لا یدرک عن طریق الحواس ولا یتصوره الخیال، إنما البرهان هو الذی یستحث العقل علی قبوله، والقضایا الهندسیة، مثل تناهی المقادیر عند اقلیدس، هی من هذا القبیل.
هاتان الخصیصتان هما اللتان تجعلان من البرهان طریقة مستقلة فی المعرفة، وإلا فلا فصل بین المعرفة البرهانیة والمعرفة العقلیة. وسوف یکون لنا بحث مشترک فی هذین.
المعرفة الحسیة
القوی الحسیة ذات اهمیة کبیرة بحیث أن الإخوان یرون أن من یفتقد الحس یفتقد المعرفة. إن ما تدرکه الحواس هو الأعراض التی تحل فی الأجسام وتؤثر فی تغییر کیفیة أمزجة الحواس. الحس، اذن، یکون من تغیّر مزاج الحاسة عند اتصالها بالمُحَسّ، والإحساس هو فهم التغییر عن طریق القوی الحسیة29.
إن القوی الجسمیة والروحانیة فی الانسان تضع یداً بید حتی تدرک المُحسّ. ویمکن شرح کیفیة هذا التعاون بما یلی 30:
الحواس (ای الات القوی الجسمیة فی النفس) یتغیر مزاجها عند اتصالها بالمحسّ، فیکون الحس ویتم إدراک صور المُحسّات. والواسطة هنا هی الأعصاب التی تمتد من القسم الأمامی من الدماغ إلی أصول الحواس إذ تقوم هذه بنقل صور المحسّات الی القوة التخیلیة الموجودة فی مقدمة الدماغ. وتقوم هذه بنقلها إلی القوة المفکرة. فی هذه الحالة تختفی المحسّات من الحواس ولا یبقی منها سوی آثارها التی ترتسم فی الفکر. وتقوم النفس بالتصرف فی هذه الآثار بدون الحاجة إلی الحواس وتمیز بینها بوساطة القوة العاقلة. فی هذه الحالة لا یوجد شیء سوی صور المحسّات المنتزعة من الهیولی (المادة) التی تعود لها. هذه الصور ترتسم فی جوهر النفس بحیث إن جوهر النفس یکون، بالنسبة لتلک الصور، هو هیولاها (مادتها)، وتلک الرسوم صورها.
عندما تتسلم القوة المفکرة رسوم المحسات من القوة التخیلیة، تقوم بدراستها من حیث حقیقتها ونفعها أو ضررها، ثم ترسلها إلی الحافظة لتستعیدها عند اللزوم، وتعطیها القوة الحافظة إلی القوة الناطقة لکی تعبر عنها للآخرین بألفاظ ترمز إلی تلک المعانی عند اقتضاء الضرورة، وبما أن الألفاظ لیست باقیة، وحظ السامع من تلک المعانی سریع الزوال، تقوم القوة الصانعة بقید تلک المعانی کتابة لتبقی ثابتة.
خطأ الحواس
أوضح الإخوان وقوع الحواس فی الخطأ وأرجعوا ذلک إلی القوة المفکرة، أی إن الخطأ ینجم عن عدم قیام القوة المفکرة بعملها بصورة صحیحة خلال مراحل الإدراک الحسی بحسب الترتیب الذی سبق ذکره31.
وهم یضیفون إلی ذلک أمرین آخرین مؤثرین فی ظهور خطأ الحواس: واسطة الحس، وضعف القوی الحاسة .
فی الحالة الأولی یقولون: مدرکات الحواس علی نوعین، فبعض یدرک بالذات، وبعض آخر یدرک بالعرض. إن ما یدرک من دون واسطة هو المدرک بالذات، مثل الضوء الذی تراه العین من دون واسطة. أما الذی یدرک بالعرض، أی بالواسطة، فهی مثل اللون الذی تدرکه العین عن طریق الضوء32.
یعتقد الإخوان أنه کلما کانت الواسطات أقل کان احتمال الخطأ أقل، ولهذا نجد أن خطأ السمع أقل، وذلک لأن الواسطة بینه وبین المحسّ هو الهواء فقط، وهو قد یغلظ احیاناً وقد یرق، مما یؤثر فی وصول المحس الی السمع فیظهر الخطأ33.
وفیما یخص الأمر الثانی یقولون: إن الاختلاف یکون فی المتلقیات والمدرکات، وهی بالطبع اختلاف الخطأ فی بعض الأحیان، وینجم عن اختلاف الحواس ضعفاً وقوة، وهو اختلاف یرجع إلی اختلاف الأجسام والأجساد.
مرکز الادراک الحسی
یحظی الحس والادراک الحسی بأهمیة کبیرة فی خضم آراء الإخوان فی میدان المعرفة ویلعب دوراً رئیساً. وتنشأ هذه الأهمیة من کونه مبدأ لأنواع اخری من المعرفة، فقد سبق القول إنهم یرون أن فقدان الحس یعنی فقدان المعرفة، إن تأثیر الادراک الحسی فی جهاز الانسان الادراکی من الاتساع بحیث إنه یشمل حتی البدیهیات .
إن المعرفة غیر المکتسبة التی تدرکها جمیع العقول، تظهر عن طریق استقراء الأمور المحسّة، أی إن حس الانسان یری تلک الأمور واحداً واحداً ویتأمل فیها، فاذا لاحظ عدداً من الصفات فی أمر واحد، عمم ذلک علی جمیع الافراد، حتی وإن لم یکن قد رأی جمیع افراد ذلک النوع او الجنس34.
الادراک العقلی والبرهانی
لایشک الإخوان فی قدرة العقل علی معرفة الوجود، ویرون أن عدم التحرز من ارتکاب التناقض فی الآراء إنما سببه خطأ العقل. ولهذا السبب یولون علم المنطق عنایة فائقة، ویرون أن القیاس هو وسیلة تجنب الخطأ فی العقیدة35.
یری الإخوان أن معظم معلومات الانسان تأتیه عن طریق القیاس، وأنه یستعمل هذه الطریقة منذ طفولته، بحیث یبدو وکأن طبیعة الانسان قد بنیت منذ أیامه الأولی علی استعمال القیاس، مثلما أنه قد جبل علی استعمال حواسه36.
إن استعمال القیاس یعنی فی الواقع استعمال القوة العاقلة والدخول فی طریق الادراک العقلی للوصول الی العلوم والمعارف. وإذا اعتبرنا القیاس تألیفاً للبدیهیات ـ کما یعتبره الإخوان ـ عندئذ یلفت القیاس البرهانی نظرنا، وما توکید الإخوان ضرورة ارجاع العلوم إلی المعارف البدیهیة، إلا توکید ضرورة استعمال البرهان للوصول الی المعرفة.
خطأ الادراک العقلی
عرفنا من قبل أن عدم الاستفادة من البدیهیات وعدم إرجاع المعرفة إلیها یتسبب فی ظهور الخطأ فی الادراک العقلی. سوف نحاول الآن أن نتعرف منشأً آخر للخطأ فی الادراک العقلی .
یقول الإخوان: بما أن الانسان یبالغ أحیاناً فی تعمیم القیاس وتسریة الأوصاف والاحکام من الامور التی تدور حوله و یأنس إلیها، یقع أحیاناً فی الخطأ37. یشیر هذا الکلام الی موضوعین من مواضیع المعرفة: الأول یتعلق بالمعارف السابقة ودورها فی المعرفة، وهو، بحسب بیانات الاخوان، یحکی عن تأثیر المحیط فی عملیة المعرفة، والثانی یتعلق بالاستقراء. إن الاخوان لا یرفضون الطریقة الاستقرائیة، ولکنهم لایرون نتیجة مثمرة فی الاسراف فی تسریة الاحکام مما یعتبر توقفاً فی التمثیل المنطقی.
ولدیهم مزید من الکلام علی الموضوع الأول فی مناسبات أُخر، فهم یعتقدون أن نفس الانسان وذهنه، قبل التعلم وقبل التعلق بعقیدة من العقائد، أشبه بالصفحة البیضاء من الورق لم یخط علیها خاطّ. فإذا ما تعلم علماً أو اعتقد بأمر أصبح کالورقة التی رسم علیها بعض الخطوط، ویکون من الصعب محو ذلک وإزالته، سواء کان حقاً أو باطلاً، ویجعل المکان ضیقاً للامور الأخری. وعلی ذلک فإن العلم الذی یسبق الدخول إلی ذهن الانسان یحظی بأهمیة أکبر، لذلک یجب صرف الجهود التربویة علی الذین لم تتلوث اذهانهم ولهم نفوس شابة، أما أن یعقد الأمل علی اصلاح کبار السن فلا فائدة منه38.
طهارة النفس والمعرفة
یری الإخوان أن الوصول الی الحقیقة إنما یتحقق عن طریق النفس وتجنب الأعمال السیئة والأخلاق المنحطة والآراء الفاسدة، وذلک لأنه إذا لم تتجنب النفس هذه الأمور تفقد صفاءها وتصبح کالمرآة الصدئة التی تعکس الصور مشوشة وعلی غیر حقیقتها، وبسبب من هذا الغبار تنسی النفس جوهرها ومبدأها ومنتهاها، وتحسب أن لیس لها سوی هذا الجسد. وإذا لم تعرف نفسها لا تستطیع أن تدرک أیّاً من الأمور الروحانیة ولا أن تتصورها، فتنکر کل حدیث عنها. و لذلک لایجوز لأحد أن یتحدث عن ذات الله وصفاته ظناً وتخمیناً، بل الجدیر هو أنه بعد تصفیة النفس یباشر بالخوض فی ذلک، وإلاّ انتهی به الأمر إلی الشک والحیرة والضلال 39.
ولعل ما یطلق علیه الإخوان اسم «التعلیم الملکی » الذی هو بخلاف «التعلیم البشری» لاحاجة به إلی التعلم40، إنما هو نتیجة لطهارة النفس وصفاء الباطن. وفی هذه الحالة یجب اعتبار طرق اکتساب المعرفة أربعة طرق، لا ثلاثة کما یصرحون به .
هـ. الکمال الانسانی وطریق بلوغه
کمال الانسان یصل ال حد التشبه بالله تعالی بحیث یستطیع بعمله أن یصبح ملکاً مقرباً وأن یخلد فی نعیم أبدی41. یعتقد الإخوان بإمکان رؤیة الله رأی العین، ویشترطون فی ذلک التأدب الشرعی والتهذیب النفسی عن طریق الریاضات الفلسفیة، وهم یستندون فی ذلک إلی قول القرآن « کَلاّ إنّهُمْ عن رَبِّهِمْ لَمَحْجُوبُونَ» و «فَلَمّا تَجَلّی رَبُّهُ لِلْجَبَلِ» قائلین إن التجلی والاحتجاب إنما یکونان لما یمکن مشاهدته42. إن الانسان القادر علی التقدم فی مسیرة الکمال إلی حیث یستطیع رؤیة الله تعالی، یحظی بمقام آخر وهو أن یکون خلیفة الله. وقد سبق القول إن الانسان یصل إلی حیث یسمع فیه کلام الله ویستقبل الوحی الالهی.
إن لبلوغ الکمالات المذکورة وإن کانت فی مقدور البشر، طریقاً تجب معرفته. وقبل أن نتناول بالشرح وجهة نظر الإخوان فی طریق الوصول الی الکمال، نؤکد أن الاخوان یؤمنون إیماناًعمیقاً بقدرة الانسان علی معرفة الحقیقة بحیث إنهم یدعون إلی الصعود إلی أربع درجات من السلم ونیل خصال أربع، إذ فی الخطوة الرابعة یتم الاطمئنان بالله والیقین بالحقیقة بالتمام والکمال، ویصل فی مراتب طبقته إلی أعلی المراتب إذا ما امتلک قوة ملکوتیة تمکنه من مشاهدة الحقیقة سافرة من غیر حجاب.
إن هذه الحالة المریحة هی التی تحمل الانسان علی سلوک طریق البحث عن الحقیقة فی طلب الکمال، ذلک الکمال الحقیقی، لا الموهوم. إن طریق الوصول الی هذا الکمال هو المزید من التأمل فی المُحسنات للحصول علی المعلومات البدیهیة واستعمالها فی القیاس بهدف زیادة المعلومات البرهانیة، أی المعلومات الحقیقیة، وذلک لأن الانسان، بالمعرفة الحقیقیة، یکون أشبه بالملائکة وأقرب الی الله43. وخلال مسیرة الکمال یجب القیام بالفرائض الشرعیة، ولابد من التحرر من قیود الجسد وتمزیق رداء الطبیعة لکی یحصل الجوهر الشفاف الروحانی النورانی علی صفاء النفس44. یجب العمل بالأوامر الالهیة للتحرر من الشک والتردد45، وتجب مکافحة الشهوات الکامنة فی طبیعة الانسان46.
إن الخصال الاربع الرئیسة التی تجعل الانسان متشبهاً بالله هی:
1. معرفة حقائق الکائنات.
2. الاعتقاد بالآراء الصحیحة.
3. التخلق بالاخلاق الجمیلة.
4. القیام بالاعمال الطاهرة والأفعال الصالحة.
فاذا خلا أحد من هذه الخصال الاربع یکون اشبه بالجنین الذی یولد ولمّا یکتمل نموه، ولا یکون له حظ من نعیم الدنیا بسبب نقصه وضعفه47.
ز. الاخلاق
اذا ما قسمنا الاخلاق فی المباحث العامة إلی فلسفة الأخلاق، وعلم الأخلاق، والمواعظ الأخلاقیة، وغیر ذلک، فإن القسم الأکبر یکون من نصیب المواعظ الأخلاقیة، وأصغر قسم یکون من نصیب فلسفة الأخلاق.
والأخلاق فی الانسان علی نوعین: طبیعیة وغریزیة48.
والاختلاف فی الأخلاق الطبیعیة ناجم عن اختلاف الطبایع. وبما أن اختلاف الطبایع أمر غیر اختیاری فانه لا یستتبع عقاباً ولا ثواباً، ولکن لیس بحیث یسلب من الشخص القدرة علی إظهار الأعمال وتعلم العلوم التی لا تتفق مع طبیعته، وإنما هو، فی اظهار تلک الاعمال وتعلم تلک العلوم، لابد من ان یبذل من فکره وجهده.
أما الأخلاق المکتسبة فتوجب العقاب والثواب والمدح والذم والترغیب والترهیب، وذلک لأنها تعتبر من « أفعال » الانسان49.
بعض أخلاق الانسان المکتسبة مذموم وبعضها محمود ممدوح. والأخلاق الممدوحة قد یراها العقل کذلک، أو قد تکون ممدوحة بحکم الشرع. وکذلک الحال فیما یتعلق بالأخلاق المذمومة50.
الخیر والشر
فی شرح معنی الخیر والشر، أو الافعال الممدوحة والمذمومة، یدلی الإخوان بکلام معبّر. إنهم یرون فی الشهوات والمیول الطبیعیة فی الانسان حکمة، کما أنهم یقولون بأهمیة الأخلاق الناجمة عن تلک الشهوات والمیول. إنهم یرون أن الحکمة فی وجود هذه الشهوات والمیول وما تستتبعه من أخلاق هی أنها تحمل الانسان علی استجلاب النفع ودفع الضرر51. عندما یصاحب هذه الشهوات فعل مناسب فی الوقت المناسب وباتجاه الهدف الاصلی، تکون خیراً، وإلا فإنها تکون شراً. عندما یتم فعل الخیر اختیاریاًیکون الفاعل ممدوحاً، و إذا تم فعل الشر باختیار الفاعل یکون الفاعل مذموماً إذا کان الفعل المحمود قائماً علی التفکر والتعقل یکون حکیما، وإلاّ کان جهلاً. وإذا کان الفعل الحکیم مطابقاً لأوامر الشرع ونواهیه، استحق الفاعل الثواب، وإلاّ کان حقه العقاب52.
إذن أخلاق الانسان، مثل اخلاط طبیعته، تتألف من اربعة انواع :
1. الأخلاق الطبیعیة الکامنة فی طبیعته وجبلته.
2. الأخلاق النفسیة الاختیاریة.
3. الأخلاق العقلیة الفکریة.
4. الأخلاق الناموسیة السیاسیة.
وکل واحدة من هذه المراتب تخدم المرتبة الاعلی منها وهی مقدمة لها53.
أعمال الخیر والشر التی تنسب إلی النفس الانسانیة الجزئیة تشمل العلوم والمعارف، الأخلاق والسجایا، الآراء والعقائد، الأقوال والأفعال، والقبح والحسن، وهذه الأمور تدرک أحیاناً عن طریق الشرع، وأحیاناً اخری عن طریق العقل، أی إذا وقع فعل فی الزمان والمکان والظروف اللازمة له فهو خیر، وإلاّ فهو شر. ولما کان الاطلاع علی جمیع جهات الأمر من مکان وزمان وظروف لا یتسنی لکل أحد، وجب التعلم من المهذبین، والأنبیاء هم معلمو الانسان الذین یعلمونه هذه الأمور ویشرحونها له54. اختیار لابد من الالتفات إلی أن المرتبة الأولی من التقسیم، أی الأخلاق الطبیعیة، بعیدة عن متناول لختیار الانسان. غیر أن المراتب الثلاث الأخری تقوم علی اختیاره. أی إن القیام بأی عمل من الأعمال المحمودة أو المذمومة من المراتب الثلاث الأخیرة یکون مسبوقاً باختیار الانسان. والواقع إن الإخوان لم یخف علیهم أن فی توجیه اختیار الانسان تتدخل أمور خارجة عن إرادته واختیاره. وعلی رأس هذه الأمور الأخلاق الطبیعیة التی لا اختیار للانسان فیها، وإن کانت إرادة أشخاص آخرین مؤثرة فی کیفیتها.
منشأ اختلاف الأخلاق
یری الإخوان أسباباً أربعة لاختلاف الأخلاق:
1. أخلاط الجسد وترکیبها.
2.تربة المناطق والمدن وهواؤها.
3. التأثر بأخلاق الأبوین والمعلمین والمربین وبصفاتهم .
4. تأثیر حکم النجوم فی أصل الموالید. وهذا السبب هو الأصل، والأسباب الاخری فروع55.
من الملاحظ أن جمیع هذه العوامل الأربعة خارجة عن إرادة الانسان واختیاره. بدیهی أن التأثیر المباشر لهذه المقولات الأربع فی الأخلاق طبیعی، وسایر مراتب الأخلاق الأخری تتأثر به بصورة غیر مباشرة، مع الأخذ بنظر الاعتبار دور الإرادة فی هذا المیدان.
إن الغرض من بیان ما ذکرناه هو القول بأن الاخوان یرون أن خُلق الانسان وطبایعه تقع تحت تأثیر عوامل غیر إرادیة، و مع ذلک لا یمکن اعتبارهم من الجبریین، و ذلک لأنهم کثیراً ما یشیرون إلی الاختیار وحریة الارادة لدی الانسان ویعترفون بوجود العقاب والثواب، ولذلک فانهم لا یتوانون عن تقدیم النصح والإرشاد لتوجیه مخاطبیهم وهدایتهم.
وبالاضافة إلی ما قاله الاخوان فی رسائلهم عن منشأ اختلاف الأخلاق، اشاروا بصورة أوسع الی العوامل المؤثرة فی تکوین الشخصیة، ناظرین إلی ملامح الشخصیة فی مرآة الأفراد المتصلین بعض ببعض کحلقات سلسلة. فی هذه السلسلة أربع حلقات مهمة جداً: العقائد، العادات والرسوم، الأخلاق، والاعمال، وهذه الحلقات الأربع مسبوقة بحلقات أخری، ولعل ما قلناه بشأن منشأ اختلاف الأخلاق کان هو هذه الحلقات السابقة. فیما یتعلق باختلاف النفوس والشخصیات یعتقد الإخوان أنه مثلما أن کل جسم بقبوله صورة یصبح أرفع وأشرف من حالة البساطة وفقدان الصورة، فإن جواهر النفوس هی من جنس وجوهر واحد، وما اختلافها إلاّ من حیث المعارف والأخلاق والآراء والعقائد والأعمال 56. وفی موضع آخر، فی معرض إرشاد اخوانهم بشأن قبول العضویة، یعرضون رأیاً من آراء علم النفس، قائلین إن أعمال الانسان الظاهرة تنشأ من الأخلاق الذاتیة والعادات والرسوم التی تربی علیها، وکذلک من اعتقاداته57.
الاعتدال
الاعتدال من الاصطلاحات الشهیرة فی نصوص القدامی الأخلاقیة. إن الانسان حبیس بین الافراط والتفریط، ویسعی فی تصرفاته وسلوکه الأخلاقی وملکاته النفسیة الاقتراب من المثال الروحانی والسلوک الصحیح لیکون فی موضع الاعتدال. إن الصورة التی یرسمها الإخوان للاعتدال تحکی عن صراع بین العقل والطبع، أی إنهم یرون أن الابتعاد عما یقتضیه الطبع والاقتراب من مقتضیات العقل هو الاعتدال، ویقولون: عندما تصل قوی النفس الی مرحلة الاعتدال وتتجه من الطبیعة الی العقل تصبح مثل الملائکة ویغدو سلوک الانسان أشبه بسلوکهم، وعند الموت یتجه إلیهم ویلتحق بهم. أما إذا اتجه من العقل إلی الطبیعة أصبح مثل الشیاطین والتحق بحزب إبلیس اللعین، وغدت أفعاله مثل أفعال الشیاطین، وعند مفارقة الجسم یلتحق بصحبتهم58. وفی موضع آخر من الرسائل یری الإخوان أنه عند قبول العضو تجب دراسة أحواله بدقة ومعرفة مذهبه وعقیدته حتی إذا ظهرت جدارته للصحبة والأخوة سمح له بالاشتراک فی جلسات الإخوان، وذلک لأن الناس یختلفون من حیث الطبایع، ویکون بعضهم بعیداً عن حالة الاعتدال. لذلک یجب اختیار الخیّر، الشکور، الأمین، الحلیم، السخی، الشجاع، الودود، العفیف، الصبور، القنوع، اللطیف، الموافق59.
ح. التربیة والتعلیم
تحظی التربیة والتعلیم علی صعید فکر الإخوان بأهمیة کبیرة بحیث إن بعضهم یری أن هدف الإخوان هو التربیة والتعلیم بمعناهما الواسع. إنهم یحسبون أنفسهم وارثی الأنبیاء وأن شأنهم هو معالجة النفوس، وأن التربیة والتعلیم تهدیان الانسان إلی هدف الحیاة الرفیع. و فی کثیر من المباحث کان دافعهم إلیها تربویاً، حتی إن لم یکن لعنوان الموضوع علاقة بالتربیة علاقة مباشرة، کالهندسة أو الموسیقی. إلیکم منتخبات من تعالیمهم التربویة:
أنواع العلوم
کان العلماء المسلمون یصنفون العلوم بهدف إرشاد الطالب أو الباحث لکی: «یعرف ما هو مقدم علیه وأی بحث یحقق فیه، وما الفائدة التی تعود علیه من هذا البحث، وأی رأس مال سینال، وما الفضیلة التی ستصیبه. إن معرفة هذه المقدمات ستحمل المرء علی أن یخطو نحو العلم الذی یرید تعلمه بعد تفکیر عمیق ودرایة بالأمر، لا أن یقدم علیه غافلاً دون معرفة...بل یقوم بالمقارنة بین العلوم لیعلم أیها الأفضل، وأیها الأنفع، وأیها الأعمق جذوراً، والأکثر اطمئناناً، وأغنی مادة، وأیها الأضعف قاعدة، وأیها الأوهی أساساً، وأیها الأقل غنی.»60 إن دافع الإخوان الی بیان أنواع العلوم لدلیل صدق علی هذه الدعوی61. إنهم عددوا العلوم لیهدوا طالبیها إلی أهدافهم ولیقودوهم إلی ما یطلبون، إذ إن میل الناس إلی شتی العلوم والفنون مختلف.
إن العلوم البشریة تنطوی تحت ثلاثة أجناس أو شعب أصلیة62:
1. العلوم الریاضیة.
2.العلوم الشرعیة .
3. العلوم الفلسفیة والحقیقیة.
القسم الأول أکثر ما یطلب للمعاش وصلاح الحیاة، وفیه تسعة انواع.
والقسم الثانی، أی العلوم الشرعیة الوضعیة فهو لعلاج النفوس وطلب الآخرة، وهو علی ستة انواع .
القسم الثالث، أی العلوم الفلسفیة والحقیقیة، یشتمل علی أربعة انواع: الریاضیات، المنطق، الطبیعیات، والالهیات .
هدف تحصیل العلوم
کل فرع من فروع العلم یسد حاجة من حاجات الانسان، وینیله طلباً من مطالیبه. إلاّ أن هناک مطلباً واحداً مشترکاً ینبغی أن یکون الحاصل من جمیع العلوم، بحیث إن کل فرع من فروع العلم یجب أن یقوم بتیسیر الوصول إلی ذلک الهدف، وهو تحرک الانسان نحو الهدف الغائی للخلق وتهذیب الأخلاق والإعداد للحیاة الأخری63.
ولا یختص هذا الهدف بالعلوم الدینیة والالهیة، بل هو یشمل جمیع العلوم. إن علوماً مثل الهندسة والتنجیم والموسیقی لها أهداف معنویة أیضاً. فالهدف من تعلم الهندسة، مثلاً، هو سیر النفوس من المحسّات الی المعقولات، ومن الجسمیات الی الروحانیات، ومن أدنی مراتب الوجود إلی أعلی مراتبه. وتعلم التنجیم یحلّق بالنفوس الصافیة إلی عالم الأفلاک وطبقات السماء والمنازل الروحانیة والملائکة المقربین.. والهدف من الموسیقی هو ترغیب النفوس الملکیة والمفکرة للصعود إلی عالم الأفلاک بعد الموت64.
آثار العلم
ینقل الاخوان حدیثاً عن رسول الله ( صلی‏الله‏علیه‏و‏آله‏وسلم ) ویستنتجون منه آثار العلم ونتائجه، من ذلک، استناداً الی الحدیث المذکور، إن العلم یبعث علی الخشیة من الله والقرب منه، وهو دلیل، وسلاح ضد الاعداء، وزینة. والعلم یرفع الانسان، وهو حیاة للقلب وطارد للجهل. العلم نور للعیون، وقوة للبدن، وسلّم العباد الی الکمال. العلم وسیلة للطاعة والعبادة، وللتمییز بین الخیر والشر، وإمام للعمل65. العلم یعطی صفات حمیدة لصاحبه، کالشرف، والعزة، والاستغناء، والقدرة، والسمو، والقرب، والکمال، والجود، والحیاء، والهیبة، والسلامة66. یتیح العلم الوصول إلی لذات الآخرة، ویطهر الأعمال ویجعلها حکیمة. العلم میزان فضل أهل الآخرة، ویحیی النفوس من تهلکة الجهل، ویوقظ الانسان من نوم الغفلة، ویهدیه الی طریق الملکوت67. النفس تتزود بزاد العلم والحکمة فی سیرها نحو الکمال، وتتطور حتی لتکون أشبه بالنفس الکلیة وتصل إلی الملأ الأعلی68، وتنال السلامة والصحة وتکون منیرة69.
وکل علم لا یوصل صاحبه الی طلب الآخرة ولا یعینه لبلوغ الآخرة، یکون حملاً علی کاهله وحجة علیه یوم القیامة70. إن العلم لا یقدم آثاره الطیبة للجمیع، بل إن هناک من یقتطف من العلم ثماراً مُرّة، مثل التکبر، والعجب، والتفاخر، وکثرة التنازع والتناحر، وحب الریاسة، والتعصب، والعداوة والبغضاء لأهل العلم، وترک العمل الصالح، وحب الدنیا والحرص علیها71.
الأسلوب الصحیح للتربیة والتعلیم
یکرر الإخوان ضرورة التعلیم مرات عدیدة، ویؤکدون وجود المعلم والمربی فی العلوم والصناعة ویرون ضرورة وجودهما فی تحویل القدرة فی الانسان إلی الفعل72. وبالطبع یرون الله هو المعلم الحقیقی، وأن نیل العلوم بدون معلم مستحیل، إلا بالتعلیم الالهی والملکی73.
وعند الکلام علی الاسلوب الصحیح فی التعلیم یری الإخوان ضرورة الإلتفات إلی الاختلافات بین المتعلمین والمتربین، وهذه الاختلافات تشمل ما یلی74:
الاختلافات القومیة، والعنصریة، والطبقیة، والاجتماعیة، والثقافیة، والسِّنِّیة، والعلمیة (المعلومات السابقة)، وسعة الأفراد وطبایعهم الذاتیة، وهو ما لا ینبغی اعتباره شیئاً واحداً مع القابلیة بالمفهوم السائد الیوم فی العلوم التربویة، لأنهم ینظرون إلی ذلک من حیث جوانبه المعنویة أکثر من نظرتهم إلی شیء آخر.
صفات المعلم75
یمکن استشفاف صفات المعلم من تعبیرات الإخوان التالیة :
من اعظم السعادة للانسان أن یحظی بمعلم جلیل القدر، عالم، عارف بحقائق الأشیاء والأمور، معلم مؤمن بیوم الجزاء وبأحکام الدین وشؤون الآخرة، وأحوال المعاد لکی یهدی الانسان إلی أمر المعاد، معلم ذکی، لطیف الطبع، حسن الخلق، متوقد الذهن، محب للعلم، طالب للحق، غیر متعصب لمذهب من المذاهب. علی المعلمین أن یکونوا أصدقاء محبین لتلامذتهم، ولا یطمعون فی أخذ الأجور منهم، ولا یمنون علیهم، ولا یبخلون بالعلم علی طلبتهم، وأن یتجنبوا تعلیم من لیس جدیراً بالعلم .
صفات التلامیذ76
ینبغی أن تکون فی طالب العلم سبع خصال:
السؤال والسکوت، الءاصفاء، التفکر، العمل بما تعلّم، الصدق، تذکر أن العلم نعمة إلهیة، وتجنب الإعجاب والزهو بأعماله الصالحة، وعلی الطالب أن یکون متواضعاً لمعلمه، وأن یکبره، ویحترم حقه وحرمته

 



 
ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½:  |  شنبه 87 آبان 25  ساعت 6:22 عصر 

    ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½اگ
ابن سینا و تشیع دوازده امامی
[عناوین آرشیوشده]